شاهدت نسخة من النسخ الأصلية لكتاب «وصف مصر» فى مكتبة هيئة قناة السويس بالإسماعيلية.. منتهى الإبداع والجمال والروعة والدقة والفن والمهارة، أتى الفرنسيون للاستيلاء على مصر فاستولت هى عليهم بعظمتها وسحرها وقوتها، حضر نابليون بالخيل والعسكر والسفن الحربية والمدافع، لتركيع مصر والحفاظ على ممراته التجارية إلى الشرق آمنة من احتكار الإنجليز، لكنه أحضر معه مائة وخمسة وسبعين عالماً لدراسة الحضارة المصرية، فكان «وصف مصر» هذا الكتاب الملحمة.. مجلدات التقطت التفاصيل المصرية بالريشة التى نفذت إلى أعماق الروح وانتصرت على حياد كاميرات التصوير الحديثة..

أول رسوم يراها العالم بتلك الدقة للأهرامات وأبوالهول. نقل العلماء الفرنسيون كل التفاصيل بداية من سراديب الهرم. وخطوط الفنان الفرعونى ومخطوطات البردى وباب الفتوح والنصر وإيوان يوسف وجامع الحاكم وابن طولون والسلطان حسن وقصور المماليك ووجوه ساكنيها، حتى المميزات البدنية التى تميز المماليك عن المصريين رصدوها.

أهم صورة أشعة مقطعية لتاريخ مصر من جميع الزوايا والطبقات: مراد بك والشيخ السادات، الخادم الحبشى مع السيد التركى، أعراب سيناء وفلاحو الدلتا وسكان الأحياء الشعبية، بانوراما من لحم ودم. أتذكر يوم شراء مؤسسة البابطين نسخة من هذا الكتاب، وكيف احتفت به وأقامت حفلاً مهيباً لاستقباله استقبال الفاتحين، أتذكر مترجمه العبقرى زهير الشايب وهو يتسلم جائزة الدولة التشجيعية فى نهاية السبعينيات، أتخيل شامبليون، أحد علماء وصف مصر، الذى وجد حجراً بين يدى امرأة تطحن القمح به، فجذب نظره وفك به شفرة ولغز اللغة الهيروغليفية، أتخيله عاجزاً عن فك شفرة المشهد المصرى الحالى.

مصر تحتاج إلى مليون شامبليون لفك شفرة ما يحدث فى مصر الآن، حداداً على كتاب «وصف مصر»، الذى توفى فى ظروف غامضة محروقاً، لابد أن نبكى على تراث وتاريخ وحضارة وحلم تحول إلى كابوس.. حداداً على كل ذلك أسأل نفسى: وماذا تجدى الكتابة؟